الأربعاء، 2 سبتمبر 2009




الدواء‏.‏ تحت الحصار


الدواء‏..‏ يعاني من حالة حصار هذه الايام‏..‏تتبدي حالة الحصار في مشاهد عديدة‏..‏ المشهد الاول يتمثل في بدايات سيطرة اجنبية علي السوق عبر الشركات متعددة الجنسية التي باتت تستحوذ علي حصص حاكمة في شركات رئيسية‏.‏

والمشهد الثاني هو نتيجة طبيعية للمشهد الاول حيث بدأت هذه الشركات الاجنبية مع شبكات التجارة والتوزيع تمثل ما يشبه المافياالتي تسعي لاختراق نظم تسجيل وتسعير الدواء بهدف تطويع هذه النظم لمصالحها‏.‏

ومن المافيا الي الاحتكار والتهريب الي صفقات مشبوهة في التأمين الصحي تصل الي غش الدواء الذي اصبح جريمة كاملة الاركان وتجري علي قدم وساق وفي كل لحظة حيث تباع ادوية فاقدة الفاعلية ومنتهية الصلاحية او تحتوي علي مكونات ضارة‏.‏

ونظرا لخطورة ما يجري في سوق الدواء نفتح هذا الملف بكل تفاصيله علي الصفحات التالية‏..‏

الصفقة المشبوهه في التأمين الصحي
اشتعلت المواجهة بين التأمين الصحي والشركات الاجنبية من جهة والشركات الوطنية ونقابة الصيادلة والخبراء من الجهة الاخري بسبب قيام هيئة التأمين الصحي بفتح المجال لبيع أدوية الشركات الكبري لمرضي التأمين الصحي البسطاء بما يحرم الشركات الاخري التي دخلت مناقصات التأمين الصحي بترويج ادويتها وتسبب اسلوب الأمر المباشر وليس المناقصات في حرمان هؤلاء المرضي من حقهم الطبيعي قي الحصول علي دواء بسعر رمزي وربما يكون مجانيا وتسبب في حدوث انشقاقات بين المرضي والتأمين الصحي وضرب الثقة في فاعلية الادوية الشرعية‏.‏

العجيب في الأمر والمثير للشك أن الشركات التي تسللت للتأمين الصحي منحته خصومات سعرية علي اصناف الدواء بنسب متفاوته وصلت الي‏50%‏ و‏60%‏ فأي شركة دواء تلك التي تمنح هذه النسبة التي تصل الي الاستغناء عن‏80%‏ و‏90%‏ من الربح بعد اضافة بنود التكاليف الاخري؟ أليس من الاولي أن تخفض هذه الشركات اسعارها في سوق الدواء العادي بعد أن كشفت نفسها بالتهام ارباح خيالية؟

قد يرد البعض بأن الشركات تستغني عن معظم ربحها لأن سوق التأمين الصحي كبير وسوف توزع عبوات أكثر‏.‏

ولكن المفاجأة أن التأمين الصحي أجري دراسة عن اقبال المرضي علي ادوية هذه الشركات كشفت أن‏3%‏ فقط‏!!‏ من المرضي تحولوا لهذه الشركات بمعني خسارة غير متوقعة للشركات والتأمين الصحي‏..‏ بل وصل الأمر الي أن الشركات تبحث الآن عن مخرج من المأزق‏.‏ المستندات لدينا تكشف آلاعيب الصفقة وكيف افلت البسطاء من كمين دفع فارق أسعار الدواء لصالح جيوب بعض المنتفعين‏.‏

المستندات التي حصلنا عليها تضم أكثر من ورقة ساخنة من ضمنها عقد ايداع ادوية صيدليات التأمين الصحي بصفة أمانة مع تفويض الهيئة في صرفها للمنتفعين بالتأمين الصحي‏,‏ تضمن البند التمهيدي بالعقد أن تقوم هيئة التأمين الصحي بصرف الدواء للمنتفعين بالرعاية الصحية بالاسم العلمي من قائمة الادوية‏(‏ اعتراف رسمي‏!)‏ غير أن بعض المنتفعين‏(‏ المرضي‏)‏ قد أبدوا رغبتهم في صرف الدواء لهم بالاسم التجاري من بعض صيدليات الهيئة علي أن يتم تحميلهم بفارق السعر المتمثل في سعر قائمة الادوية المتعامل بها في التأمين الصحي بالاسم العلمي وبين سعر الدواء بالاسم التجاري‏.‏

حتي الان تحاول هيئة التأمين الصحي اقناعنا بأن المرضي هم الذين طلبوا اصنافا محددة من شركات محددة‏!!‏

نعود لما تضمنه البند التمهيدي‏,‏ تضمن ايضا نظرا لحرص الهيئة علي تلبية رغبات المنتفعين بصرف الادوية لهم بالاسم التجاري علي نحو ماتقدم تحقيقا لراحتهم النفسية‏!!‏ قد تم الاتصال مع الشركة المذكورة‏(‏ كل شركة يوقع معها عقد خاص‏)‏ لايداع الادوية بالاسم التجاري صيدليات الهيئة علي سبيل الامانة ويتم تسوية مستحقات الشركة وفقا لما يتم استهلاكه من تلك الادوية شهريا‏,‏ وقد وافقت الشركة علي هذا العرض مساهمة منها في تسهيل حصول المنتفعين بالتأمين الصحي علي الادوية بالاسم التجاري لمن يرغب منهم في ذلك مع تفويض الهيئة في صرف هذه الادوية للمنتفعين‏,‏ وضم العقد أكثر من بند تناولت الالتزام بالعقد ومدته سنة واحدة يجدد تلقائيا لمدد مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر كتابيا برغبته في عدم تجديد التعاقد بمدة لاتقل عن شهرين قبل نهاية مدة العقد وأن تسدد مستحقات الشركات شهريا‏.‏

موافقة الوزير
وجاءت موافقة وزير الصحة علي اقتراح توفير الادوية بالاسم التجاري في بعض منافذ البيع ليتم صرفها لمن يرغب من المنتفعين مع تحصيل فرق السعر وبعد وضع نظام رقابي محكم يضمن عدم اساءة استغلال التسهيل الممنوح للراغبين من المنتفعين‏.‏

نأتي الي جانب مهم‏..‏ اسعار الادوية في الاتفاق وقيمة ماسوف يتحمله المريض ونسبة الخصم للتأمين الصحي وهي أمور تحمل مفارقات عجيبة‏,‏ لدينا مستندات تضم‏107‏ عروض سعرية تقدمت بها‏11‏ شركة علي النحو التالي‏..‏

شركة استرازينيكا تقدمت بعروض‏16‏ صنفا دوائيا تراوحت نسب الخصم الممنوح للتأمين الصحي بين‏25%‏ و‏43%‏ والنسبة الاخيرة لصنف ابريميدكس‏1‏ ملجرام سعره بالسوق‏470‏ جنيها للعبوة‏28‏ قرصا وسعره بالعرض للتأمين الصحي‏265.69‏ جنيه نفس الشركة قدمت عرضا آخر لصنف بلنديل‏5‏ مليجرام بخصم‏29.6%‏ سعره بالسوق‏18‏ جنيها للعبوة‏10‏ أقراص معروض علي التأمين بسعر‏12.67‏ جنيه علي أن يتحمل المريض المنتفع بالتأمين‏12‏ جنيها‏!!‏ فكيف ذلك؟‏!‏ يصل مجموع السعرين‏24.67‏ والسعر بالسوق‏18‏ جنيها‏!!‏

الشركة الثانية سيرفيه قدمت عروضا تضم‏8‏ أصناف بخصومات تراوحت بين‏24‏ و‏30%‏ منها صنف ديماكرون‏80‏ ملجرام‏20‏ قرصا في العبوة لعلاج السكر سعره بالسوق‏9‏ جنيهات بعد الخصم يصل الي‏6.32‏ جنيه للتأمين ويدفع المريض‏5‏ جنيهات لكل عبوة‏!!‏

الشركة الثالثة فايزر العالمية خصوماتها تراوحت بين‏15‏ و‏50%‏ الاخيرة لصنف ليبتور لعلاج الكوليسترول يباع بسعر‏60‏ جنيها بالاسواق في عبوة تضم‏7‏ أقراض‏20‏ ميلجرام سعره في الخصم‏30‏ جنيها ويدفع المنتفع‏25‏ جنيها‏!‏ هذه المرة القيمتان اقل من نسبة الخصم‏!!‏

وهنا السؤال اذا كانت الشركة علي استعداد للاستغناء عن‏50%‏ من هامش الربح للتأمين فلماذا لاتخفضه ولو‏10%‏ في السوق ولباقي المرضي من غير المحظوظين بالانتفاع من التأمين الصحي‏!!‏

نأتي الي الشركة الرابعة سانوفي افنتس والتي يتردد انها انسحبت من العرض بعدما وجدت أن الاقبال هزيل من المرضي‏..‏ هذه الشركة قدمت خصومات شملت‏17‏ صنفا دوائيا بنسب تراوحت بين‏16%‏ و‏56%‏ اهمها في صنف بلافيكس الذي يستخدمه المرضي المصابون بالجلطات وهو صنف يتعرض للغش يباع في السوق بسعر‏340‏ جنيها للعبوة‏28‏ قرصا وبعد الخصم للتأمين الصحي يطرح بسعر‏165‏ جنيها بنسبة خصم‏51.47%‏ واذا حسبنا تكاليف التصنع والتغليف والاجور لنا أن نتساءل هل يمكن أن تتنازل شركة دواء عن‏70‏ أو‏80%‏ من تكلفة المنتج؟‏!!‏ وأين ربحها في هذا الدواء الحيوي الذي لاينافسه سوي اسبرين الاطفال بسعر‏2.5‏ جنيه للعبوة‏40‏ قرصا‏!!‏

الشركة الخامسة سوفيكو فارم تقدمت بخصومات تتراوح بين‏20%‏ و‏39.7%‏ لـ‏15‏ صنفا‏.‏

أما شركة أمون ـ الشركة السادسة ـ فتقدمت بخصومات تراوحت بين‏18‏ و‏27%‏ تضم‏4‏ أصناف فقط وهي نسبة عادية تماثل نسب الخصم التي تمنح للصيدليات والموزعين وربما تقل‏.‏

شركة نوفارتس ـ الشركة السابعة ـ تقدمت بخصومات بين‏12‏ و‏53%‏ ضمت‏20‏ صنفا‏.‏

بينما تقدمت الشركة المصرية للتجارة الادوية ـ الشركة الثامنة ـ بعروض خصومات واحدة‏36.95%‏ لثلاثة أصناف رغم أنها شركة توزيع وعندما سألنا رئيسها د‏.‏ محمد الصاوي قال إن الشركة لم تتقدم باي عروض للتأمين الصحي بل قال‏:‏ اننا متضامنون مع الجهات الرافضة لهذه الممارسات لأن الشركات لم تدخل المناقصة وحرام‏!!‏ أن تتنافس شركات اعلنت اسعارها في المناقصات‏!‏

وتقدم مركز التنشيط المصري ـ العرض التاسع ـ بخصمي‏28%‏ و‏32%‏ لصنفين‏.‏

اعلي الخصومات‏64.10%‏ تقدمت بها شركة جلاكسو ـ الشركة العاشرة ـ علي صنف ماتينورم تي عبوة‏30‏ قرص سعرها بالسوق‏9.75‏ جنيه يصل الي‏3.5‏ جنيه بعد الخصم وهي نسبة تثير التساؤل والدهشة وتراوحت باقي الخصومات لستة اصناف اخري بين‏14%‏ و‏58%‏ وقدمت شركة مالتي فارما العرض الحادي عشر والاخير بنسب خصم تراوحت بين‏38%‏ و‏49%.‏

مجاملة
الدكتور عبدالرحمن شاهين المتحدث الرسمي لوزارة الصحة قال إن الهدف من عروض الشركات المخفضة مجاملة التأمين الصحي والشركات تتنازل عن‏30‏ و‏40%‏ من هامش ربحها في العادي مابين عمولات موزع وصيدلي وترويج ودعاية وقد أدي هذا الاجراء الي زيادة استفادة الشركات نفسها لأن أطباء التأمين الصحي يصفون دواءها صباحا بعيادات التأمين الصحي ومساء في عياداتهم الخاصة‏!!‏ ولكن نسبة الخصم لم تصل الي‏50‏ أو‏60%.‏

قلت للدكتور عبدالرحمن شاهين لدينا مستندات تؤكد وصولها لهذه النسب‏..‏

فقال ليس علي كل الاصناف‏!‏

قلت‏:‏ كيف دخلت بدون مناقصة؟

اجاب‏:‏ هذه هي النقطة الاجرائية الوحيدة التي اخذت علي التأمين الصحي وقيل أن الدواء يباع بالأمر المباشر والأمر لايتعدي مجاملة من الشركات ونظرة مستقبلية لترويج أكبر عدد من ادويتها ولكن للأسف اجري التأمين الصحي دراسة اكتشف خلالها أن‏3%‏ فقط من المرضي وافقوا علي شراء هذه الادوية واستمسك‏97%‏ بادوية التأمين الصحي العادية‏!!‏ والعرض لم تتقدم اليه شركات مصرية وكلها شركات مالتي ناشيونال‏.‏

وهكذا رفض مرضي التأمين الصحي ــ‏33‏ مليون مريض ــ ادوية الشركات الجامبو والسؤال هل ستستمر هذه الشركات في عروضها أم ستتراجع عن الاتفاق بعد اقبال نسبة هزيلة لاتتعدي‏3%‏ وحتي لاتضيع علي الدولة‏750‏ مليون جنيه سنويا تنفق علي دعم ادوية التأمين الصحي‏.‏

ملف يتضمن‏:‏الغشاشون يصنعون الدواء من بودرة الطباشير‏*‏ السوق الموازية خطر يهدد صناعة الدواء‏*‏

*‏ ملف الدواء أمام جهاز منع الاحتكار‏*‏ جماعات المصالح تدير سوق الدواء‏*‏ لا خصخصة لا بيع لا تدخل في التسعير‏.‏








2052 ‏
السنة 126-العدد 2008 مايو 5 ‏29 من ربيع الآخر 1429 هـ الأثنين

ليست هناك تعليقات: