الأحد، 11 أكتوبر 2009

زيارة اوباما واستمرار ترويج الأوهام الاقتصادية







* ممدوح الولي



تتشابه عملية الترويج للمنافع الاقتصادية المتعددة لزيارة الرئيس الأمريكي لمصر من زيادة لحجم التجارة والاستثمار. مع ماحدث من ترويج لتوقيع اتفاقية الكويز. رغم أن الزيارة سياسية وليست اقتصادية. حيث امتلأت الصحف القومية أيام توقيع الكويز بعناوين منها: 5 مليارات دولار استثمارات جديدة تضيف 300 ألف فرصة عمل (الأهرام 9 ديسمبر 2004)، الاتفاقية تحمي 700 مصنع من التوقف وتوفر 400 ألف فرصة عمل (أخبار اليوم 11 ديسمبر 2004)، مليار دولار الزيادة المتوقعة في صادرات المنسوجات الي أمريكا (الأخبار 12 ديسمبر 2004).

وها هي أرقام الجهاز المركزي للاحصاء تشير الي بلوغ قيمة الصادرات المصرية إلي الولايات المتحدة خلال العام الماضي 1 مليار و281 مليون دولار. وذلك من كل السلع. ولم تكن أمريكا هي الدولة الأولي في استقبال الصادرات المصرية كما تروج الدعاية الحالية.

بل احتلت المركز الخامس خلال العام الماضي بعد إيطاليا والهند وهولندا وإسبانيا. وها هو الوزير يصرح بأن صادراتنا في إطار الكويز إلي أمريكا بلغت 872 مليون دولار خلال العام الماضي. ونحن نسأل الوزير كم تبلغ قيمة صادرات الشركات الأجنبية في إطار الكويز؟ وكم تبلغ صادرات الشركات المصرية في إطاره حتي نحدد مدي استفادة الاقتصاد المصري من الاتفاقية. وعندما استخدم الوزير رقم وزارة التجارة الأمريكية لصادراتنا البالغ 2 مليار و371 مليون دولار.

فإنه لم يذكر أن البيانات الأمريكية قد أشارت إلي تراجع قيمة الصادرات المصرية خلال العام الماضي بنسبة ثلاثة بالألف، بالمقارنة لما كانت عليه عام 2007.. كذلك تجاهل إشارتها إلي تراجع قيمة الصادرات المصرية إلي أمريكا خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 5?، في إطار تراجع واردات أمريكا من العالم خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 30?.

وما نخشاه أن يستخدم بعض الرسميين المصريين في هوجة زيارة أوباما بيانات البنك المركزي عن تجارتنا مع أمريكا خلال العام الماضي. التي ترتفع قيمة صادراتنا الي 9 مليارات و108 ملايين دولار. حتي إن هذا الرقم يزيد علي رقم وارداتنا من أمريكا. لتحقق مصر فائضا تجاريا مع أمريكا حسب بيانات البنك المركزي بلغ 59 مليون دولار. رغم أن البيانات الأمريكية لنفس العام الماضي تشير إلي بلوغ العجز التجاري لمصر في تجارتها مع أمريكا 3 مليارات و660 مليون دولار!

وعندما تناول الوزير الاستثمارات الأمريكية في مصر فإنه لم يستخدم بيانات الهيئة العامة للاستثمار. التي أشارت إلي أن المساهمات الأمريكية في رءوس أموال 335 شركة استثمار داخلي بلغت 439 مليون دولار حتي يونيو 2007.. إلي جانب مساهمتهم في رؤوس أموال 24 شركة بالمناطق الحرة برءوس أموال 18 مليون دولار. ليصل إجمالي المساهمة حسب هيئة الاستثمار الي 457 مليون دولار. كذلك لم يستخدم الوزير بيانات البنك المركزي التي أشارت إلي بلوغ الاستثمارات الأجنبية المباشرة لأمريكا في مصر خلال العام الماضي 4 مليارات و675 مليون دولار. مقابل 7 مليارات و700 مليون خلال عام 2007 أي بتراجع 30?، واستند الوزير في توقعه لزيادة الاستثمارات إلي انخفاض تكلفة الإنتاج إلي مصر إلي العمالة الماهرة المدربة.

ونسي الوزير الفرق الشاسع بين تكلفة التمويل بالخارج والتكلفة محليا إلي جانب تكلفة البيروقراطية والفساد. وكذلك الشكوي من انخفاض إنتاجية العامل المصري وارتفاع متوسط أجره بالمقارنة بالدول الآسيوية وزيادة فترات غيابه وإجازاته. وقد يقول البعض ولكن الوزير قد وقع بالفعل في واشنطن مع الممثل التجاري الامريكي خطة لشراكه استراتيجية لتطوير إطار عمل للتعاون في مجالي التجارة والاستثمار خلال الشهور الثلاثة القادمة.

ونقول إن العبرة بالتطبيق. حيث إن ذلك يذكرنا بماحدث عام 1994 حيث تم التوقيع خلال زيارة آل جور نائب الرئيس الأمريكي وقتها خلال زيارته لمصر علي اتفاقية شراكة بين البلدين. وإذا كان هذا هو مصير اتفاقية وقعها نائب الرئيس الأمريكي.

فنحن نأمل أن تتحقق الاتفاقية التي وقعها الممثل التجاري الأمريكي!.. فالمطلوب إصلاح البيت من الداخل أولا حتي يمكن أن نستفيد من العديد من اتفاقات التجارة التي وقعناها. وحتي يمكن أن تأتي الاستثمارات الحقيقية التي تضيف للإنتاج ولفرص العمل. وليس مجرد عمليات الاستحواذ كما يحدث خلال السنوات الأخيرة.



*الخبير الاقتصادي ومساعد رئيس تحرير جريدة الاهرام

جريدة الوفد -1/6/2009


الجنيه المصري.. يغرق






بقلم: ممدوح الولي


اضطرت الحكومة المصرية إلى الإعلان عن تحريرها لسعر صرف الجنيه في التاسع والعشرين من يناير 2003، بعد عامين من محاولاتها المضنية وقف مسلسل انخفاضه أمام الدولار، وهي المحاولات التي بدأتها بنهاية يناير عام 2001 بإعلانها إيجاد سعر مركزي للدولار يحدده البنك المركزي المصري تلتزم به البنوك وشركات الصرافة، إلا أن هذا السعر الذي تم تغييره 6 مرات خلال العامين الماضيين لم يفلح في وقف نزيف الجنيه أمام الدولار.



ويطرح الإعلان الجديد تساؤلات حول جدواه وتداعياته المرتقبة على المواطن المصري، خاصة أن هذا القرار سبق العمليات العسكرية المتوقعة ضد العراق التي يمكن أن تلقي بظلال سلبية على الاقتصاد المصري.



كيف بدأ النزيف؟



كانت الحكومة المصرية قد نجحت في أكتوبر عام 1991 في إيجاد سعر مستقر للدولار بواقع 330 قرشا في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته الحكومة، وظل سعر صرف الجنيه ثابتا لا يكاد يتحرك حتى عام 1997 حين بلغ سعر الصرف 340 قرشا، حيث ساعد ارتفاع أسعار الفائدة على الجنيه المصري وقتها إلى نسبة 17% مقارنة بنسبة الفائدة على الودائع الدولارية التي بلغت نحو 3.5% عام 1994 -على تحول المدخرات من الدولار إلى الجنيه، وتدخل البنك المركزي مشتريا للدولار؛ وهو ما كوّن احتياطيا ضخما من العملات الأجنبية استمر في الزيادة حتى بلغ 20.6 مليار دولار بنهاية سبتمبر عام 1997.



إلا أن أحداث جنوب شرق آسيا التي تسببت في انخفاض قيمة عملات عدد من تلك الدول قد دفعت المستوردين المصريين للتوسع في الاستيراد من تلك الدول؛ وهو ما زاد الطلب على الدولار محليا.



وجاء حادث مقتل السياح الأجانب بمدينة الأقصر المصرية في نوفمبر 1997 كضربة قاصمة للموارد الدولارية من السياحة، وواكب ذلك خروج جانب من الاستثمارات الأجنبية من البورصة المصرية بلغت قيمتها 248 مليون دولار في العام المالي 97/1998.



وتسببت كل تلك العوامل في تزايد الطلب على الدولار؛ بما أدى إلى تحول سوق الصرف الأجنبي من تحقيق فائض منذ عام 1991 إلى عجز خلال عام 97/1998، واستمر هذا العجز حتى الآن. وبدأ سعر الصرف يتحرك في شركات الصرافة، وبدأت البنوك في وضع قيود على تدبير احتياجات العملاء من الدولار لتمويل عمليات الاستيراد، حتى إنها في مارس 1999 طلبت من العملاء تدبير تلك العملة بأنفسهم؛ وهو ما زاد من الطلب لدى شركات الصرافة.



تعامل بوليسي مع الأزمة



وظلت الجهات الرسمية تنكر وجود أزمة وتلقي باللوم على شركات الصرافة، ومارست بعض الإجراءات البوليسية معها، وبدأ البنك المركزي في استخدام ما لديه من احتياطيات من النقد الأجنبي في ضخ دولارات للبنوك حتى نقص الاحتياطي إلى 15.1 مليار دولار في يونيو 2000، واستفاد البعض في تحويل مبالغ للخارج بلغت حوالي 3 مليارات دولار.



وأدى استفحال المشكلة والاتجاه لعدم استخدام الاحتياطيات من النقد الأجنبي بعد فقده حوالي 7 مليارات وظهور سوق سوداء للتعامل بالدولار -إلى الدفع بالبنك المركزي في التاسع عشر من يناير 2001 ليعلن عن نظام جديد لسعر الصرف، يقوم بموجبه بتحديد سعر مركزي بلغ 385 قرشا، مع ترك هامش للتحرك للبنوك وشركات الصرافة حول السعر المركزي نسبته 1% أقل أو أكثر من السعر المركزي، ثم اضطر البنك المركزي إلى تعديل السعر المركزي مرة أخرى في مايو ثم في يوليو من نفس العام إلى 390 قرشا، وزاد الهامش إلى 1.5%، ثم رفعه مرة أخرى في أغسطس من نفس العام ليصل السعر المركزي إلى 415 قرشا، وزاد الهامش إلى 3%.



ولكنه كلما تحرك البنك المركزي بالسعر كان تحرك السوق السوداء أعلى منه؛ فاضطر إلى رفع السعر إلى 450 قرشا في ديسمبر، ثم إلى 451 قرشا في يناير 2002، ثم توقف البنك المركزي عن ضخ دولارات للبنوك. كما توقف لمدة عام عن تغيير السعر المركزي أو هامش حركته، رغم الشكوى من تفاقم المشكلة وعجز شركات قطاع الأعمال العام والشركات الخاصة عن تدبير احتياجاتها من الدولارات لاستيراد المواد الخام اللازمة لها.



قرار التحرير



ثم فاجأت الحكومة السوق بالإعلان عن ترك الحرية للبنوك لتحديد سعر الدولار في التاسع والعشرين من يناير 2003، وربطت أسعار التعامل في شركات الصرافة بأسعار البنوك، سواء في الشراء أو البيع، ولم تعطها حرية تحديد السعر ولو حتى بسعر أقل.



وأخذت وسائل الإعلام الرسمية تشيد بالقرار بدعوى أنه سيؤدي لزيادة الصادرات وخفض الواردات؛ وهو ما يعيد التوازن إلى الميزان التجاري المصري المصاب بالعجز منذ سنوات طويلة، كما سيشجع الاستثمار والسياحة، ويعيد الانتعاش للسوق التي تعانى من الركود منذ عام 1998 وحتى الآن.



إلا أن كثيرا من الخبراء لم يشاركوا الحكومة تفاؤلها في أن يؤدي خفض الجنيه إلى زيادة الصادرات؛ وذلك بسبب قلة مرونة الصادرات المصرية تجاه الطلب الأجنبي من ناحية، وقلة مرونة الطلب الأجنبي تجاه الصادرات المصرية من ناحية أخرى، خاصة أن عامل السعر لم يعد هو المتغير الوحيد المؤثر على حركة التصدير حيث هناك مؤثرات أخرى كالجودة والالتزام بالمواصفات القياسية، وكذلك ضعف القدرات التسويقية للمصدرين المصريين.



ودللوا على عدم استفادة الصادرات من انخفاض الجنيه بأنه ما بين عامي 1994 وحتى عام 2001 انخفضت قيمة صادرات مصر من القطن الخام من 233 مليون دولار إلى 186 مليون دولار، ومن غزل القطن من 377 مليون إلى 125 مليون، والمنسوجات القطنية من 120 مليونا إلى 37 مليونا، والبُسُط والسجاد من 34 مليونا إلى 3 ملايين، والفواكه من 24 مليونا إلى 19 مليونا، والألمنيوم ومصنوعاته من 184 مليون دولار إلى 142 مليون دولار، وهي سلع تشكل نسبة كبيرة من إجمالي الصادرات.



ونفس الأمر بالنسبة لتوقع خفض الواردات؛ حيث يشير التوزيع النسبي للواردات المصرية بالعام المالي الأخير 2001/2002 إلى أن نسبة 22% من الواردات كانت مواد خاما، والسلع الوسيطة شكلت 22.5%، والسلع الاستثمارية 20.6%؛ وهو ما يعني ضرورة استيراد نسبة 65.6% لهذه المكونات الأساسية اللازمة حتى لاستطاعة التصدير لوجود مكون أجنبي مرتفع بالصناعة المصرية، بينما لا تمثل السلع الاستهلاكية سوى نسبة 13.9% من الإجمالي.



المواطن ضحية



وأصبح الهاجس الأول لدى المواطن المصري هو تأثير تحرير صرف على انخفاض قيمة الجنيه الذي فقد نحو 62% من قيمته خلال 3 سنوات فقط، وأثر ذلك في ارتفاع الأسعار للسلع المستوردة، خاصة السلع الغذائية، وهو الأثر الذي بدأ بالفعل بعد قرار تحرير سعر الصرف؛ حيث زادت محلات الخضر والفاكهة والجزارة أسعارها رغم كون سلعها محلية، حيث يشعر البائع أنه سيضار من خفض قيمة الجنيه فيرفع أسعاره لتعويض ذلك، وهي العدوى التي انتشرت بين البائعين والحرفيين الذين زادوا أسعار خدماتهم.



وخلال أسبوع من تطبيق قرار تحرير سعر الصرف وعدم استجابة البنوك لطلبات الشراء من العملاء إلا بشروط، وإدراك وجود ضغط من البنك المركزي على البنوك لعدم تجاوز سقف 550 قرشا للسعر -ظهرت مرة أخرى السوق السوداء بفارق 15 قرشا عن السعر بالبنوك.



ويرى الخبراء أن نقص الدولار هو لب المشكلة، وأن العلاج يتطلب زيادة عرض الدولار بالسوق كما كان الحال منذ عام 1991 وحتى 1997، خاصة العجز المزمن بالميزان التجاري والذي بلغ خلال العام المالي الأخير 8 مليارات دولار، خاصة أن كل الموارد الدولارية المصرية تعتمد على عوامل خارجية لا يمكن للطرف المصري التحكم فيها؛ حيث تمثلت الموارد الدولارية خلال العام المالي الأخير في 4.740 مليارات دولار من الصادرات السلعية و3.4 مليارات من السياحة، و2.930 مليار من تحويلات العاملين بالخارج، و1.904 من البترول، و1.820 مليار من قناة السويس، و1.144 مليار من التحويلات الرسمية، و938 مليون دولار من دخل الاستثمار للودائع المصرية بالخارج، و428 مليون دولار لصافي تدفقات الاستثمار المباشر في مصر، و45 مليون دولار لصافي استثمارات الأجانب بالبورصة المصرية.



وهكذا فإن حدوث حرب بالعراق سيحول دون الصادرات السلعية المصرية للعراق التي تشكل نسبة كبيرة من الصادرات المصرية، كما سيقلل من الموارد السياحية وتحويلات العاملين بالخارج ودخل قناة السويس، وكان دخل الاستثمار قد تأثر بانخفاض الفائدة على الودائع بالولايات المتحدة وأوربا. وإذا كانت هذه هي طبيعة الموارد الدولارية فإن حجم الواردات الكبير الذي بلغ 14.6 مليار دولار بالعام المالي الأخير إلى جانب الحاجة للعملة لأغراض السفر للخارج، سواء للسياحة أو للعلاج أو للدراسة ونفقات البعثات الدبلوماسية بالخارج كلها عوامل تزيد الطلب على الدولار في ظل الندرة التي يعاني منها السوق.



ولأن المستثمرين المصريين يعلمون ذلك فإنهم قد عادوا لادخار العملات الأجنبية مرة أخرى؛ وهو ما زاد من معدل نمو تلك الودائع بالمقارنة لمعدلات نمو أقل للودائع بالجنيه المصري.



نقلا عن اسلام أون لاين


========
2106 ‏السنة 126-العدد 2009 مايو 18 ‏23 من جمادى الاولى 1430 هـ الأثنين
التزام البنوك بالتوظيف الآمن لأموالها
بقلم: ممدوح الولي


تشكل ظروف البيئة المحلية والعربية والدولية التي تعمل في اطارها البنوك المصرية محددات رئيسية لعمل تلك البنوك خلال المرحلة القادمة‏.‏ فعلي المستوي المحلي هناك تراجع لمعدل النمو ليدور حول نسبة الأربعة بالمائة خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي‏.‏ بعد ان كان يزيد عن السبعة بالمائة في فترات المقارنة‏.‏

وعلي المستوي العربي فهناك توقعات بتراجع معدلات النمو بالعام الحالي في‏17‏ دولة عربيه عما كان عليه بالعام الماضي‏.‏ وعلي المستوي الدولي فهناك توقع بحدوث انكماش بالاقتصاد الدولي بلغت نسبته‏1.3%‏ حسب صندوق النقد الدولي تزيد الي‏1.7%‏ حسب البنك الدولي‏.‏ وان هذا الانكماش ترتفع نسبته لدي الدول المتقدمه الي‏3.8%‏ حسب الصندوق‏.‏

وعلي الساحة المحلية ونتيجة لتداعيات الأزمة العالميه تأثرت صادرات صناعات عديدة منها الصناعات الغذائية والصناعات النسيجية والصناعات الكيمائية وغيرها‏.‏ كما تأثرت قطاعات السياحة وخدمات النقل البحري‏.‏ وهو مايعني صعوبة انتظام تلك القطاعات في دفع ما عليها من مستحقات للبنوك‏.‏ وبالتالي فان امكانية حصول تلك القطاعات علي تمويل إضافي من البنوك بالوقت الحالي يعد أمرا بالغ الصعوبة‏.‏

وعندما يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش واردات الدول المتقدمة من السلع والخدمات خلال العام الحالي بنسبة‏12.1%.‏ فان البنوك المحلية ستفكر مرات عديدة قبل أن تقدم علي اقراض مشروعات تصديرية بالوقت الحالي خاصة مع توقع انكماش صادرات الدول المتقدمة من السلع والخدمات بنسبة‏13.5%.‏ وكلما تراجعت صادراتها تراجع معدل وارداتها من الدول النامية التي تصدر اليها المواد الخام والمواد الوسيطة‏.‏

‏ بدائل حكومية‏
ومن هنا فان توظيفات البنوك المحلية في الاقراض ستكون أكثر حذرا وأكثر انتقائية وستميل أكثر لاقراض الجهات الحكومية المضمونة مثلما فعلت مؤخرا باقراض وزارة الكهرباء‏.‏ واقراض المشروعات الكبيرة ذات التاريخ الائتماني المستقر أكثر من اقبالها علي اقراض الشركات المتوسطة أو الصغيرة‏.‏

وعندما تجد البنوك أمامها عائدا لايداع فوائضها لدي البنك المركزي بنسبة‏10%‏ أو عائدا علي أذون الخزانة يزيد عن نسبة العشرة بالمئة بينما هي تعطي لمودعيها عائدا يدور حول نسبة السبعة بالمائة‏.‏ فانها ستفضل ايداع فوائضها لدي البنك المركزي‏-‏ بنك البنوك الخالي من المخاطر‏-‏ أو بشراء أذون أو سندات الحكومة المضمونة وذات العائد المرتفع‏.‏

وهو ماحدث بالفعل منذ نوفمبر من العام الماضي حين تراجعت أرصدة القروض بالبنوك عما كانت عليه في أكتوبر ونموها الضئيل في ديسمبر‏.‏ ثم تراجع أرصدتها يناير عما كانت عليه في ديسمبر‏.‏ ليسفر اجمالي ارتفاع أرصدة الاقراض بالبنوك مابين اكتوبر وفبراير أي خلال خمسة أشهر‏1.2‏ مليار جنيه رغم احتساب فائدة القروض ضمن تلك الزيادة والتي تزيد كثيرا عن هذا الرقم المحدود وبما يعني تراجع الأرصدة الحقيقية للاقراض‏.‏

وامتد هذا الأثر علي الاقراض بالعملة المحلية لقطاعات الزراعة والتجارة والخدمات‏.‏ كما امتد الأثر مع الاقراض بالعملات الأجنبية لقطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات والقطاع العائلي وقطاع العالم الخارجي‏.‏ وأكدت نتائج البنوك بالربع الأخير من العام الماضي هذا الأمر حين تراجعت معدلات القروض في‏12‏ بنكا هي‏:‏ التجاري الدولي واتش اس بي سي وباركليز وقناة السويس والوطني المصري وتنمية الصادرات وبيريوس والوطني للتنمية والشركة المصرفية العربية وبلوم والمصري الخليجي والاتحاد الوطني‏.‏

‏ صعوبات التمويل الدولي‏
وعلي الجانب الآخر توسعت البنوك في شراء أذون الخزانة خلال النصف الثاني من العام الماضي‏.‏ واستمرت في ذلك خلال الشهور الأولي من العام الحالي‏.‏ حيث ارتفعت أرصدتها من الأذون من‏98.2‏ مليار جنيه بنهاية يونيو الي‏168.2‏ مليار جنيه بنهاية العام‏.‏ ثم زادت الي‏185.6‏ مليار بنهاية فبراير من العام الحالي وهي آخر بيانات معلنة‏.‏

ولم تقتصر مشكلة البنوك في ظل تداعيات الأزمة المالية علي مأزق صعوبة استيداء مستحقاتها وضيق فرص التوظيف الجيدة لأموالها‏.‏ بل امتد الأمر الي موارد البنوك أيضا‏.‏ لتصبح البنوك بين فكي مأزقي صعوبة زيادة الموارد وصعوبة التوظيف‏.‏

فمن حيث الموارد زادت صعوبة قيام البنوك بزيادة رؤوس أموالها في ظل التداعيات السلبية علي البورصات خلال عام‏2008.‏ وأصبح الطرح العام لزيادة رؤوس أموالها صعبا في ظل انخفاض القيم السوقية لأسعار أسهمها رغم تحسنها جزئيا خلال شهر ابريل وحتي النصف الأول من مايو إلا أنها مازالت أقل مما كانت عليه قبل مايو‏2008.‏

كما أن اللجوء الي القروض طويلة الأجل من الخارج أصبحت أكثر صعوبة في ظل صعوبات التمويل الدولي‏.‏ ويؤكد ذلك ما أعلنه صندوق النقد الدولي عن تراجع اجمالي التمويل الخارجي العالمي الي‏446.5‏ مليار دولار عام‏2008‏ مقابل‏716‏ مليارا عام‏2007.‏ وشهدت مصر تراجعا للتمويل الدولي الذي حصلت عليه من‏3.8‏ مليار دولار بالربع الثاني من العام الماضي الي‏368‏ مليون دولار فقط بالربع الثالث من العام‏.‏ كما انه لم يبلغ سوي‏672‏ مليون دولار بالربع الأخير من العام الماضي‏.‏

‏ تذبذب الودائع‏
كما تأثر المورد الرئيسي للبنوك والمتمثل بالودائع حيث ان المعتاد هو تزايد أرصدة الودائع حتي إن لم تتم أية ايداعات جديدة‏.‏ نظرا لاحتساب فوائد الودائع القديمة ضمن الأرصدة الاجمالية للودائع‏.‏ لكن أرصدة الودائع تراجعت في سبتمبر من العام الماضي عما كانت عليه بالشهر السابق ورغم احتساب الفوائد‏.‏ وفي الودائع بالعملة المحلية حدث تذبذبا في الأرصدة مابين يونيو‏2008‏ وفبراير‏2009‏ وهي آخر أرقام معلنة‏.‏ وحدث هذا التذبذب في قطاعات ودائع قطاع الأعمال العام وودائع قطاع الأعمال الخاص وقطاع العالم الخارجي‏.‏

وفي الودائع بالعملات الأجنبية حدث تذبذب بالأرصدة لدي قطاعات‏:‏ الأعمال العام والأعمال الخاص والقطاع العائلي وقطاع العالم الخارجي‏.‏ وواكب ذلك تراجع أرصدة الودائع في‏11‏ بنكا خلال الربع الأخير من العام الماضي وهي‏:‏ اتش اس بي سي‏,‏ وكريدي اجريكول‏,‏ وباركليز‏,‏ وبي إن بي باري با‏,‏ والوطني المصري‏,‏ وتنمية الصادرات وبيريوس‏,‏ والوطني للتنمية‏,‏ والشركة المصرفيه‏,‏ وبلوم‏,‏ والمؤسسة العربية المصرفية‏.‏

وهو أمر طبيعي في ظل خفض كثير من الشركات السياحية أجور العاملين بها وتخلص القطاع الخاص من جانب من العمالة به‏.‏ وتراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج‏.‏ ولذلك فقد استمر تراجع معدلات الودائع فيما صدر من قوائم مالية لبعض البنوك والتي تخص أداء الربع الأول من العام الحالي ومنها بنك تنمية الصادرات وبنك الاسكندرية‏.‏

انخفاض التوظيف الخارجي للأموال‏
وفيما يخص مأزق توظيف البنوك لأموالها فقد زاد الحذر من التوظيف بالأسهم سواء محليا أو عربيا او عالميا في ظل اضطراب الاقتصاد الدولي وعدم توقع الخروج من الأزمة العالمية قبل منتصف‏2010‏ بل ان الفترة التالية لذلك في حالة الخروج من الأزمة ستكون ذات معدلات نمو منخفضة لبعض الوقت‏.‏ وهو سبب اضافي أيضا للحذر الذي تتخذه البنوك إزاء الاقراض المحلي‏.‏

ويضاف الي ذلك صعوبات التوظيف الخارجي في ظل تراجع فوائد الودائع علي العملات الدولية والتي تصل معدلاتها حاليا الي واحد بالألف علي الين الياباني‏.‏ ومن صفر الي‏0.25%‏ علي الدولار الأمريكي‏.‏ ونصف بالمائة علي الجنيه الاسترليني‏.‏ وواحد في المائة علي اليورو الأوربي كذلك انخفاضها علي العملات الأخري مثل الفرنك السويسري والدولار الكندي وغيرها‏.‏ وهي نسب عوائد أقل كثيرا من عوائد التوظيف المحلي وعما تعطيه البنوك المحلية في حالة ايداع الأرصدة لديها‏.‏

ومن هنا فقد انخفضت أرصدة البنوك بالخارج منذ ابريل‏2008‏ وحتي يناير من العام الحالي لمدة عشرة شهور متواصلة لتنخفض أرصدتها من‏145.5‏ مليار في مارس‏2008‏ الي‏63.5‏ مليار جنيه في يناير‏2009.‏

وهكذا فان البنوك خلال الفترة الحالية والقادمة ستظل بين فكي كماشة تتمثل في صعوبات في جلب الموارد وصعوبات في التوظيف جيد العائد متوسط المخاطر‏.‏ ولذلك تحول اتجاه أرصدة أصول البنوك بالخارج الي التراجع منذ اغسطس‏2008‏ وحتي اكتوبر من العام الماضي ثم تذبذبت أرصدته خلال الشهور التالية‏.‏ ومن هنا فان البنوك مدفوعة رغما عنها الي التوظيف الآمن لأصولها سواء بالايداع لدي البنك البنك المركزي أو بشراء الأذون والسندات الحكومية أو السندات الأجنبية أو باقراض جهات حكومية أو خاصة ضخمة مثل قطاع الاتصالات او البتروكيماويات‏.‏

‏ البطاقات سلاح ذو حدين‏
ومن الظلم تحميل البنوك وحدها مسئولية دفع الاستثمار وتنشيط الطلب بالسوق حيث يطلب البعض منها التوسع في بطاقات الائتمان لتحريك الطلب الاستهلاكي‏.‏ وهو أمر صحيح نظريا حيث ان التوسع في البطاقات سيدفع الطلب مما يزيد مبيعات الشركات وبما يمكنها من استمرار مبيعاتها وبالتالي دفع ما عليها من أقساط قروض للبنوك إلا أنه علي الجانب الآخر فان مبيعات الشركات المقترضة ليست مقصورة علي السوق المحلية‏.‏ فهناك مبيعات خارجية قد تكون الأكبر لدي كثير من الشركات وهذه الشركات واجهت بالفعل وستواجه خلال الشهور القادمة صعوبات في التصدير وبالتالي ستواجه مشاكل في دفع ما عليها من أقساط قروض محلية‏.‏

ومن ناحية أخري فان ظروف التخلص من العمالة أو خفض أجورها في منشآت أخري سيجعل فرص السداد لدي أصحاب بطاقات الائتمان أكثر صعوبة وهو مايزيد من المخاطر لدي البنوك‏.‏ وقد تكون مبالغ البطاقة صغيرة الا انها في المجموع الكلي ستكون مؤثرة‏.‏ ومن هنا ستكون البنوك أكثر حذرا في منح بطاقات ائتمانية جديدة أو في زيادة الحدود الائتمانية لأصحاب البطاقات الحالية‏.‏

-‏ وعندما يطالب البعض البنوك بالتوسع في انشاء المشروعات الاستثماريه في الوقت الحالي وتأسيس مشروعات جديدة لاستيعاب جانب من البطالة لتعويض احجام القطاع الخاص عن التوسع او اقامة مشروعات جديدة حتي تنجلي تداعيات الأزمة العالمية‏.‏

فان هذا دور الحكومة وليس دور البنوك التي هي أصلا مساندة للاستثمار وليست منشأة له خاصة أن غالب بنوكنا بنوك تجارية ومعظم مواردها قصيرة الأجل‏.‏ في حين تحتاج المشروعات الاستثماربة لموارد طويلة الأجل‏.‏ وحتي ما لدينا من بنوك استثمار وأعمال فانها لم تمارس هذا الدور الاستثماري وقت الرخاء وبالطبع فانها لن تمارسه حاليا في وقت الأزمة‏.‏

التمويل متناهي الصغر‏
وعندما تخفض الحكومة استثماراتها العامة في موازنة‏2010/2009‏ الي‏33.4‏ مليار جنيه مقابل‏38.5‏ مليار جنيه بالعام المالي الأسبق‏.‏ فان البنوك لن تستطيع تعويض تراجع الدور الحكومي‏.‏ خاصة أن لدينا ضمن البنوك العاملة بالسوق المحلية بنوكا أجنبية ذات أولوليات مختلفة وتهتم بالتجزئة المصرفية سريعة العائد أكثر من اقراض المشروعات المحلية‏.‏ كما أن معظمها يفضل التوظيف بالخارج عن التوظيف المحلي لجانب كبير من أصوله الي جانب وجود مساهمين بالبنوك ينتظرون الأرباح والتي يقيمون أداء مجالس الادارات علي أساسها ولايعنيهم الدور التنموي للبنوك بقدر اهتمامهم بالربح‏.‏

وعندما يطالب البعض البنوك بالتوسع في اقراض المشروعات الصغيرة باعتبارها الأكثر عددا والأكثر في تشغيل العمالة والأكثر قدرة علي تنشيط السوق‏.‏ فان البنوك بالفعل يمكنها التوسع في هذا المجال خاصة مع نسب السداد العالية لتلك النوعية من المشروعات‏.‏ ويمكنها تخصيص فروع لهذا النوع من الاقراض الذي يحتاج عمالة مصرفية متخصصة الا إن المشروعات الصغيرة مطالبة في نفس الوقت بتعديل أوضاعها حتي تكون مؤهلة للاقتراض من حيث امساك الدفاتر وطبيعة الملكية والادارة‏.‏

وينسحب ذلك علي انتقاد البعض لاقراض البنوك للمشروعات الصغيرة بأنه مازال مقصورا علي المشروعات التي تصل مبيعاتها السنوية الي مليون جنيه‏.‏ وبما يعني عدم استفادة الجانب الأعظم من المشروعات متناهية الصغر والتي تقل مبيعاتها كثيرا عن المليون جنيه‏.‏ إلا ان الأمر يحتاج الي وقفة حيث ان التعامل مع تلك الشريحة مجهد اداريا للبنوك‏.‏ وقد يكون الاقتراض من خلال الجمعيات الأهلية هو الأفضل لتلك النوعية من المشروعات‏.‏

بل ان تلك الجمعيات لديها مقدرة أفضل علي المتابعة الميدانية وتقديم خدمات فنية أخري لها بخلاف التمويل‏.‏ ومن هنا فان البديل هو تمويل البنوك للجمعيات الأهلية ثم قيام الجمعبات باقراض المشروعات متناهية الصغر‏.‏ وهناك استراتيجية للتمويل متناهي الصغر اشترك في اعدادها عدد من الأطراف المصرفية والأهلية منذ سنوات لكنها مازالت غير مفعلة‏.‏

‏ مسئولية جماعية لتنشيط السوق‏
وهكذا فان إلقاء عبء المسئولية علي البنوك وحدها لتنشيط السوق هو أمر غير عملي ولن يجدي‏.‏ حيث ان مسئولية التنشيط تخص جميع الأطراف بالسوق من حكومة وبنك مركزي وقطاع خاص ومستهلكين‏.‏ فالحكومة عليها مسئولية توفير الحوافز المتنوعة للاستثمار وإزالة جبال البيروقراطية ومحاربة الفساد‏.‏ والبنك المركزي عليه إعطاء المزيد من اشارات خفص الفائدة التي مازالت مرتفعة بشكل كبير بالمقارنة لما هي عليه بالأسواق الدولية والعربية‏.‏

والقطاع الخاص مطالب بتحمل المسئولية تجاه العمالة وتجاه تراجع معدلات الربح التي تعود عليها‏.‏ ووقف طلباته التي تضر بقطاعات اقتصادية أخري مثل مطلب خفض الجنيه امام الدولار لتشجيع الصادرات والمستهلكين عليهم تشجيع الانتاج المحلي بدرجة أكبر‏.‏ اذا كانوا يريدون حفاظا علي العمالة خاصة ان اقبالهم علي شراء السلع المستوردة يعني حفاظهم علي استمرار العمالة بالمنشآت الصناعية بالدول الموردة لتلك السلع‏.‏

ولا أتصور أن البنوك ستقود المجتمع نحو تنشيط السوق فان في ذلك مخاطرة لاتقدر عليها خاصة أن عبء التمويل لايقتصر عليها وحدها‏.‏ فهناك بنك الاستثمار القومي الذي بلغت أصوله‏193‏ مليار جنيه‏.‏ وهناك اقترحات بايجاد شركات للتمويل خاصة للتعامل مع المشروعات متناهية الصغر‏.‏ وهناك تمويل المشروعات من خلال سوق رأس المال باصدار الأسهم والسندات‏.‏

ولهذا أتوقع أن يكون دور البنوك تابعا لحركة السوق ومساندا له‏.‏ فاذا تحركت الأطراف الفاعله بالسوق لتنشيطه فانها ستكون بجانبهم‏.‏ واذا تحرك السوق مع تحسن الظروف الدولية فإنها ستقبل حينئذ علي المشاركة لتوظيف جانب من أصولها ولتحقيق عوائد مناسبة‏.‏ أما أن يتقاعس الجميع عن أداء أدوارهم ويلقون مهمة التنشيط للسوق علي البنوك وحدها فان المهمة أكبر من قدراتها ومن الظلم أن تتحملها وحدها‏.‏ ولهذا ستستمر البنوك في التوظيف الآمن لأصولها حتي تتراجع تداعيات الأزمة العالمية‏.‏


‏mamdouhec@maktoob.com‏


============
عودة وزارة التموين لا تقلل معاناة الكادحين





* ممدوح الولي





ممدوح الولي

مع إعلان تقرير التنمية الإنسانية العربية أن نسبة الفقر في مصر بلغت 41? من السكان أي حوالي 32 مليون نسمة.. فقد طالب البعض بعودة وزارة التموين للقيام بدور إزاء الفقراء. خاصة أن الفقر يؤدي إلي سوء التغذية.





وسوء التغذية ينعكس علي العملية الإنتاجية والتعليمية ويزيد من الأمراض. وكل تلك النتائج تزيد من معدلات الفقر. وهكذا نسير في حلقة مفرغة تزيدنا فقرا. والحقيقة أن وزارة التموين موجودة من خلال استمرار نفس آليات الوزارة القديمة. حيث تم ضم وزارتي التموين والشئون الاجتماعية في إطار وزارة التضامن.





وبموازنة العام المالي الحالي خص قطاع التموين بوزارة التضامن 49 مليون جنيه. إلي جانب 615 مليون جنيه لمديريات التموين بالمحافظات.كما تضمنت الموازنة 13.8 مليار جنيه لدعم السلع الغذائية القمح (الخبز) والزيت والسكر والأرز والذرة والشاي والتي يتم صرفها بالبطاقات التموينية. إلي جانب دعم المشتقات البترولية، خاصة البوتاجاز. ويمكن أن تقل نفقات الدعم عما تم تخصيصه مثلما حدث مع الأرز الذي تشتريه الحكومة بأقل مما تبيعه بالبطاقات.





وتعود البطاقة التموينية إلي عام1945 وفي عام 1981 تم تقسيم البطاقات الي ذات الدعم الكلي وذات الدعم الجزئي لتقليل نفقات الدعم. وفي 1985 تم تقليص عدد السلع المدعمة. وفي 1989 تم إيقاف تسجيل المواليد الجدد بالبطاقات لسنوات. وبعد موجة الغلاء التي أعقبت قرارات تحرير سعر الصرف عام 2003 تم إضافة سلع بالبطاقات كالفول والعدس والسمن والمكرونة والأرز.





وفي 2007، طرحت الحكومة قضية الدعم للنقاش وهل الأفضل أن يكون نقدياً أم عينياً. وبدأت وزارة التضامن عمل مسح لتحديد الأسر الفقيرة لتوجيه الدعم إليها وحدها. إلا أن موجة الغلاء العالمية عام 2008 والزيادة السعرية الحكومية للمنتجات البترولية في مايو من نفس العام. وما أعقبها من انفلات للأسعار وماحدث من تظاهرات واعتصامات بأكثر من مكان. قد غير كل المخططات الحكومية فقامت بالسماح بقيد المواليد بالبطاقات وأتاحت استخراج بطاقات تموينية. ووسعت الحصول علي السلع المدعمة ونسيت المسح الخاص بتحديد الأسر الفقيرة.





وفي ظل عجز متوقع للموازنة خلال العام المالي الحالي يبلغ 127 مليار جنيه. حتي أن وزير المالية قد أعاد للظهور الضريبة العقارية بعد أن كان قد تغاضي عنها في ظل تداعيات الأزمة المالية.فقد بدأت أحاديث خافتة مرة أخري عن تقليل حجم الدعم الغذائي. ولو من أبواب جانبية مثل التوسع في إنتاج أنواع من الخبز بسعر أعلي. إلا أنني أتصور أن العامل السياسي سيظل هو المهيمن في صالح استمرار الدعم الغذائي.كما أن سيناريوهات التوريث لايتلاءم معها الحديث عن خفض الدعم بل إن الأوفق لهم الإغداق حتي يتم تمرير المخطط.





واذا كان البعض يعول علي تراجع معدلات التضخم الي 10? في يوليو الماضي. فإن هؤلاء ينسون أن هذا المعدل هو متوسط تغيرات سعرية لمئات من السلع والخدمات.وذلك في إطار عينة منحازة مما يجعله غير دقيق. وحتي بافتراض صحة مؤشر أسعار المستهلكين هذا فإن الغالبية من المصريين لم تزد دخولهم بنسبة10? حتي يتحملوا هذه النسبة للتضخم.





مع الأخذ في الاعتبار أن المؤشر يتحدث عن مجموعات سلعية تتضمن الثقافة والترفيه والمطاعم والفنادق وغيرها من الخدمات التي لا يستهلكها عموم المصريين. فهولاء ينفقون غالب دخلهم علي الغذاء. وزيادة أسعار الغذاء حتي بالأرقام الرسمية تفوق المتوسط العام للتضخم. والمهم أن ندرك أن حل معاناة المصريين ليست في استمرار البطاقات التموينية. لأن المقررات التموينية تكفي استهلاك أيام قليلة وغالب الاستهلاك يكون بأسعار السوق. وأسعار السوق مرتبطة بالأسعار العالمية ولأن لدينا عجزاً تجارياً مزمناً فنحن نستورد التضخم. وذلك في بيئة محلية يسيطر عليها الاحتكار مما منع وصول رخص الأسعار العالمية الي السوق المحلية.





ومن هنا فإن معاناة الأسر ستظل مستمرة. خاصة مع إلغاء التسعيرة الجبرية وحرية التسعير سواء للمنتجين أو التجار والممارسات الاحتكارية التي لاتجد لها رادعا. ويبقي الحل الجذري لعلاج استمرار ارتفاع الأسعار والذي لا نتجه إليه هو الإنتاج. وهو الحل الذي جعل معدل التضخم بالاتحاد الأوربي بالشهر الماضي (ـ 0.6?) أي أن الأسعار تراجعت بنسبة ستة من عشرة بالمائة خلال عام.





وهكذا فإن عودة وزارة التموين يعد استمرارا لأسلوب المسكنات في علاج المشكلة. خاصة مع تدني نسب الاكتفاء الذاتي من أنواع الغذاء. ويبقي الحل في التوجه الإنتاجي من خلال طرق عديدة منها: توجيه الاستثمار المحلي والأجنبي للقطاعات الإنتاجية من خلال الحوافز المتنوعة. والاستفادة من الطاقات العاطلة. والعودة للقرية المنتجة.





والحد من قيم المضاربة السائدة وترشيد أداء البورصة وتوظيفها لتأسيس المشروعات الجديدة وتوسعات الشركات القائمة. وعلاج الفاقد ومقاومة الاحتكار وتوفير الائتمان ومحاربة الفساد والبيروقراطية ولأن هذا الطريق صعب وطويل ونسيناه منذ سنوات طويلة.





فإن الأسهل هو الاستيراد المصحوب بالعمولات والسمسرة. والاستعانة بالآلة الإعلامية في استمرار تخدير الجمهور والزعم بتحسن الأحوال من خلال بيانات اقتصادية كاذبة لإطالة فترة الجلوس علي عرش مصر المنكوبة بهم.







*مساعد رئيس تحرير جريدة الأهرام

جريدة الوفد 24/8/2009





==========

ميزان المدفوعات المصري يتفوق علي الأمريكي والألماني والبريطاني! - بقلم: ممدوح الولي





10th September

أرقام غير مسبوقة أعلن عنها البنك المركزي خلال إعلانه نتائج ميزان المدفوعات المصري للعام المالي 2006/2007. حققت خلالها معظم موارد النقد الأجنبي أرقاماً قياسية مما نجم عنه بلوغها »9.61« مليار دولار مقابل »3.50« مليار بالعام المالي السابق. ورغم ارتفاع مدفوعات النقد الأجنبي الي العالم الخارجي لتصل الي »7.56« مليار دولار فقد أسفر الميزان الكلي للمدفوعات عن تحقيق فائض بلغ »3.5« مليار دولار وهو رقم غير مسبوق أيضاً.
ومن جانبي أري أن هناك نوعاً من التضخيم فيما تم اعلانه من بعض أرقام موارد النقد الاجنبي ولعل أبرزها رقم الاستثمار الأجنبي المباشر البالغ »1.11« مليار دولار والذي نقول انه جاء نتيجة تعديل وزير الاستثمار لتعريف الاستثمار الأجنبي وادخال عناصر أخري لوعاء الاستثمار الأجنبي. وكانت النتيجة أن السنوات الثلاث السابقة علي قدوم الوزير قد بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر خلالها »536.1« مليار دولار. في حين بلغ الرقم خلال السنوات الثلاث التي قضاها بالوزارة بعد تعديل تعريف الاستثمار الأجنبي المباشر »1.21« مليار دولار.
أي أن الرقم بعد تعديل التعريف واضافة الاستثمارات البترولية وحصيلة الخصخصة وشراء الأجانب للعقارات بلغ خمسة عشرة ضعف الرقم السابق لمجيئه. ورغم ذلك مازلنا نأمل من وزارة الاستثمار أن تعلن الأرقام التفصيلية للاستثمار الاجنبي المباشر لنعرف حجم المشروعات الجديدة وقيمة استثماراتها. حيث ان ما تم اعلانه من أرقام والبالغة »2.5« مليار يدمج ذلك مع ما تم من زيادات لرؤوس أموال المشروعات القديمة. وحتي نعرف نصيب قطاعي الصناعة والزراعة من تلك الاستثمارات والذي نؤكد محدوديته.
نفس الأمر نقوله بالنسبة للدخل السياحي البالغ »8« مليارات دولار. والذي نقول انه رقم تقديري وليس حقيقياً وذلك بتحديد متوسط انفاق للسائح في الليلة بنحو »87« دولاراً. وقد شككنا في الرقم لأن عدد السياح البالغ حسب تصريح وزير السياحة »7.9« مليون وعدد الليالي السياحية البالغة »3.92« مليون ليلة تحتاج الي تدقيق. وبصرف النظر أن بيانات أخري حكومية قد ذكرت أن عدد الليالي »3.96« مليون ليلة.
ومن هنا فهم يحسبون الدخل السياحي كنتيجة لحاصل ضرب عدد الليالي السياحية في متوسط انفاق السائح في الليلة. ويحسبون عدد الليالي السياحية بضرب عدد السياح في متوسط اقامة السائح. والمهم ان نعرف ونحن نذكر عدد السياح البالغ »7.9« مليون سائح. ان تعريف السائح في تلك الاحصاءات هو كل من أمضي ليلة واحدة علي الأقل في مصر كما يضم الرقم عدد المسافرين العابرين عبر البلاد الي بلدان أخري ولو أمضوا أقل من »24« ساعة عندنا.
وهكذا فان الرقم المعلن لا يعبر عما نعرفه من الشكل التقليدي للسائح الذي يجيء من اجل السياحة. ونفس الأمر عندما تذكر الاحصاءات الرسمية ان متوسط اقامة السائح في مصر »5.9« ليلة. بينما السائح التقليدي خاصة الأوروبي الذي يشكل النصيب الأكبر من عدد السياح لا يمكث تلك الفترة اطلاقاً.
ولأنهم يعتبرون كل من دخل مصر سائحاً فان طول فترة اقامة الشغالات الفلبينيات او الصوماليين او الاثيوبيين الذين يبعون بعض السلع علي الأرصفة يساهم في رفع رقم معدل اقامة السائح. حيث يتم احتساب فترة اقامة هؤلاء وقسمتها علي عدد السياح. وها هي أرقام جهاز الاحصاء تشير الي أن السودانيين كانوا اكثر السياح في عدد الليالي السياحية خلال شهر يونيو الماضي وهو الشهر الأخير بالعام المالي المذكور. وعلينا ان نقتنع اذا ان كل تلك الجنسيات الأفريقية الفقيرة الموجودة بالبلاد والذين يعتبرونهم سياحاً كان متوسط انفاق كل منهم اليوم اكثر من »85« دولاراً في الليلة طوال فترة اقامتهم في مصر.
سيقول البعض ان فائض الميزان الكلي للمدفوعات ينعكس في شكل زيادة في أرصدة الاحتياطيات الاجنبية من العملات الأجنبية. ونذكر هؤلاء بأن عدداً من الخبراء يتحفظون علي الأرقام المعلنة لتلك الاحتياطيات. كما نذكرهم بما ذكره محافظ البنك المركزي خلال مؤتمره الصحفي الأخير بأنه كان هناك تضخيم لرقم الاحتياطي من خلال سبعة مليارات من الدولارت من البنوك.
وحسب تضخيم أرقام موارد النقد الاجنبي في ظل الحكومة الحالية بلغت فوائض ميزان المدفوعات خلال السنوات الثلاث التي تمثل عمر الحكومة الحالية »13« مليار دولار.وذلك مقابل عجز بلغ »69« مليون دولار خلال السنوات الثلاث السابقة علي توليها. وربما في ظل حكومة جديدة يمكن ان نعرف الأرقام الحقيقية للفائض أو العجز بميزان المدفوعات.
والمثير انه بينما حقق ميزان المدفوعات المصري فائضاً بلغ »3.5« مليار دولار فان امريكا صاحبة المركز الاقتصادي الأول عالمياً قد حقق ميزان مدفوعاتها عجزاً بلغ »4.3« مليار دولار بالعام الماضي. ونفس الأمر لألمانيا التي تحتل المركز الاقتصادي الثالث عالمياً حيث حقق ميزانها عجزاً بلغ »7.3« مليار دولار وبريطانيا صاحبة المركز الاقتصادي السادس حققت عجزاً بلغ »3.1« مليار دولار بميزان مدفوعاتها خلال العام الماضي.
ورغم ما تحقق من فائض غير مسبوق بالميزان الكلي للمدفوعات فان النظرة المتفحصة للموازين الرئيسية داخل الميزان الكلي للمدفوعات تشير الي استمرار العجز المزمن بالميزان التجاري المصري. كفرق بين قيمة الصادرات البالغة »22« مليار دولار وقيمة الواردات البالغة حوالي »38« ملياراً. ليسفر عن عجز بلغ »16« مليار دولار وهو رقم لم يحدث من قبل.
ويشير الي استيراد البلاد معدلات التضخم الخارجي خاصة ان المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية تشكل نسبة كبيرة من الواردات.
وخفف من وطأة عجز الميزان التجاري ما تحقق من فائض بميزان الخدمات بلغ »5.11« مليار دولار وهو رقم غير مسبوق ايضاً. وكذلك ما حققته التحويلات من الخارج شاملة تحويلات العاملين بالخارج وتحويلات الحكومات والمنح التي بلغت معاً »1.7« مليار وما حققه الحساب الرأسمالي والمالي بما فيه من استثمارات للأجانب من فائض بلغ »1.1« مليار دولار.
واذا كانت بعض الموازين الفرعية قد حققت فائضاً مثل الميزان السياحي. وميزان الاستثمار الأجنبي المباشر وكذلك ميزان خدمات النقل. الا ان هناك موازين اخري قد حققت عجزاً أبرزها الميزان السلعي المتمثل في الفرق ما بين قيمة الصادرات السلعية المصرية البالغة »9.11« مليار وقيمة الواردات السلعية البالغة »7.33« مليار دولار بعجز بلغ »8.21« مليار دولار.
ولعل ذلك يعد أكبر وأهم عجز داخل ميزان المدفوعات لما له من تأثير علي الأسعار داخل السوق المحلية، ولكونه يشير الي أن نسبة تغطية الصادرات السلعية للواردات السلعية مازالت متدنية حيث بلغت »35%«. وهو افضل مؤشر لقياس مدي نجاح وزارة التجارة الخارجية والحكومة عموماً في مهمتها لزيادة الصادرات.
ويظل السؤال لماذا لا يشعر المواطن بهذا الفائض الضخم المتحقق في الميزان الكلي للمدفوعات؟ وهذه الأرقام غير المسبوقة لكثير من موارد النقد الأجنبي. وتأتي الاجابة بأن هذا الفائض يتم اضافته لحصيلة احتياطي العملات الأجنبية بالبنك المركزي الذي زادت أرقامه لتصل »6.28« مليار دولار بنهاية شهر يونيو الماضي. ويوفر ذلك الاحتياطي للبنك المركزي امكانية التدخل في سوق الصرف لتحقيق استقرار الأسعار به. كما يمكنه من تدبير احتياجات المستوردين من البنوك للعملات الأجنبية لاستيراد السلع من الأسواق الخارجية.
ومن المهم ان نعرف انه اذا كانت الموارد تزيد فان المدفوعات تزيد ايضاً كما هو الحال عندما زادت الصادرات بنحو »6.3« مليار دولار فقد زادت الواردات بنفس العام المالي بنحو »4.7« مليار دولار. كما ان غالبية موارد النقد الاجنبي لا تتم استفادة المصريين منها بشكل كامل. فالحصيلة التي تحققها الصادرات السلعية يخص الشركات الأجنبية العاملة في مصر جانب منها.
وقيمة الصادرات البترولية تتضمن نصيباً كبيراً للشريك الاجنبي المتمثل في الشركات البترولية الأجنبية العاملة في مصر. وحصيلة السياحة تحصل الشركات الأجنبية الموجودة بالخارج علي جانب منها. وحصيلة قناة السويس تتجه للبنك المركزي.
ودخل الاستثمار يحصل البنك المركزي منه علي عوائد ودائعه بالخارج وتحصل البنوك المحلية منه علي نصيبها والمتثمل في عوائد ودائعها بالخارج. وقليل من المصريين هم الذين يحتفظون بودائع بالخارج او يستحوذون علي سندات صادرة من دول أجنبية حتي يمكن ان يستفيدوا بشكل مباشر من حصيلة دخل الاستثمار. كذلك فان ارصدة التحويلات الرسمية والمنح الاجنبية تتجه كلها الي الحكومة المصرية التي قد توجهها بعد ذلك لتمويل خدمات بالداخل. وقد تكون التحويلات الرسمية في شكل معونات غذائية أو طبية وهنا تتوجه لافادة المواطنين.
ويبقي مورد يكاد يكون وحيداً في وضوح استفادة المواطنين منه حيث يتجه مباشرة الي افراد المجتمع المصري وهو الخاص بتحويلات المصريين العاملين بالخارج والمتمثل فيما يرسله المصري الذي يعمل بدولة اخري الي أسرته من حوالات نقدية. ولكن توزيع نحو »261.6« مليار دولار تمثل حصيلة تحويلات العاملين علي نحو »73« مليون مصري يشير الي بلوغ متوسط نصيب المواطن منها سنوياً »86« دولار فقط.



5 Stars - Excellent4 Stars - Good3 Stars - Average2 Stars - Fair1 Stars - Poor


==============
في مواجهة الغلاء‏..‏ الإنتاج قضية منسية

ممدوح الولي

رغم استفحال أزمة البطالة خلال السنوات الأخيرة إلا انها اصبحت تأتي في مرتبة تالية لمشكلة الغلاء التي تشكو منها جميع الأسر‏.‏ والتي امتدت الي جميع الأساسيات الغذائية‏.‏ وماتم‏.‏ من اجراءات سواء بوليسية أو قضائية وفرض رسوم تصدير وحظر تصدير وقيد للمواليد ببطاقات التموين وإحياء لدور المجمعات الاستهلاكية وكلام عن منع الاحتكار وحماية المستهلك وتدخل الجيش والشرطة لانتاج الخبز‏.‏ فان كل تلك الاجراءات تأتي ضمن الحل القصير الأجل الذي يهدف الي تهدئة الأزمة وليس حلها حلا جذريا‏.‏

ويبقي الحل طويل الأجل هو الكفيل بالعلاج وليس مجرد اعطاء مسكنات‏.‏ والمتمثل في زيادة المعروض من السلع والخدمات‏.‏ لذا تبقي قضية الانتاج وزيادته هي المفتاح للحل‏.‏ وعندما تبلغ قيمة تعاملات البورصة المصرية خلال العام الماضي‏363,5‏ مليار جنيه‏.‏ فان تلك الأموال الضخمة لم تضف شيئا للناتج المحلي ولم تضف آلة واحدة الي مصنع صغير أو فرصة عمل‏.‏ بل إنها تضر بالاقتصاد حين تسحب من الودائع بالبنوك وحين تزاحم المنتجين في الحصول علي القروض المصرفية‏.‏ والأخطر في تعاملات البورصة أنها توجد نوعا من المضاربة وقيم الربح السريع مما يوجد فئة من المضاربين‏.‏ وهؤلاء ينتقلون بين سوق أخري لتحقيق الكسب السريع‏,‏ فاذا لم تحقق البورصة مآربهم اتجهوا الي سوق أخري كالأراضي أو الي سوق العقارات أو العملات الأجنبية لنفخ اسعارها لتحقيق الأرباح السريعة التي تعودوا عليها‏.‏

والغريب أن حوافز الاستثمار الحكومية تساند هؤلاء حين تعفي أرباحهم المتحققة من التعامل بالبورصة من أية ضرائب‏.‏ بينما يتم فرض ضرائب علي أرباح أي مشروع انتاجي الي جانب العديد من الرسوم التي تحصلها الجهات الحكومية منه‏.‏

ميدان آخر وهو الاستثمارات الأجنبية التي تأخذ أحد نوعين فهي إما تتجه الي شراء الاوراق المالية بالبورصة وتسمي استثمارات غير مباشرة‏,‏ أو تتجه لمشروعات وتسمي استثمارات مباشرة‏.‏ وخلال العام الماضي حققت تعاملات الأجانب بالبورصة المصرية صافي تدفق خارج مصر بلغ‏2,728‏ مليار دولار‏.‏ وهذه الأموال الخارجة من خلال الأجانب صاحبها أيضا خروج‏846‏ مليون دولار تمثل قيمة استثمارات المصريين بالبورصات الأجنبية خلال العام‏,‏ أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة فان قدرا كبيرا منها يمثل استثمارات بالبورصة المصرية‏,‏ لأن تعريف صندوق النقد الدولي يعتبر ان شراء الأجانب لنسبة‏10%‏ فأكثر من أسهم شركة يعد استثمارا مباشرا‏,‏ أي انها لم تضف انتاجا ومثل ذلك شراء الأجانب لمصانع محلية قائمة والذي يحتسب أيضا كاستثمار مباشر‏.‏ الي جانب كون تلك الاستثمارات المباشرة مركزة في ثلاثة قطاعات هي العقارات والاتصالات والبنوك‏,‏ بينما يقل كثيرا دخولها في المجالات الصناعية أو الزراعية‏.‏ ومن هنا فاننا بحاجة لتشجيع الاستثمار المحلي وتدليل المنتجين المصريين بالحوافز وازالة المعوقات أمامهم لزيادة الانتاج ومن ذلك‏:‏ صعوبة التمويل المصرفي وبطء التقاضي والبيروق
راطية والفساد والجباية وحوادث الطرق‏.‏ حتي يمكن علاج العجز المزمن بالميزان التجاري والذي بلغ خلال العام الماضي‏20,5‏ مليار دولار لتصل نسبة تغطية الصادرات للواردات إلي‏54%.‏ ولأننا نستورد معظم احتياجاتنا الغذائية فان الاستيراد ينقل معه ارتفاع الأسعار الدولية الي الداخل‏.‏ وحسب الارقام الرسمية لعام‏2005‏ فان نسبة الاكتفاء الذاتي المصري من العدس بلغت‏2%‏ فقط والصويا‏4%‏ والزيوت‏15%‏ ومن الفول‏43%‏ والقمح‏55%‏ والذرة الشامية‏60%.‏

ومن هنا يصبح الحل الجذري لتلك الارتفاعات المتتالية بأسعار السلع هو تشجيع المنتجين المحليين بل تدليلهم‏.‏ خاصة أن بعض الخبراء يرون أن المسألة لم تعد فقط ارتفاع اسعار السلع بل امكانية الحصول عليها من الخارج‏.‏ فتوجيه قدر من انتاج الذرة لانتاج الوقود الحيوي يعني نقص القدر المتاح منها للبيع دوليا‏,‏ ونفس الأمر ينطبق علي توجيه جانب من انتاج زيوت الطعام للتحول الي وقود‏.‏ ولن يكون الحل برفع الأجور‏.‏ فقد يكون رفع الأجور مسكنا لاستيعاب التهابات ارتفاع الأسعار لبعض الوقت‏.‏ لكن رفع الأجور مع بقاء نفس الكم من المعروض السلعي كما هو يعني زيادة كمية النقود بالسوق مما يدفع الأسعار بالارتفاع مرة أخري‏.‏

ليكن الانتاج هو الهدف وهو الحل للتحرك في كل نواحي حياتنا حول هذا الهدف‏.‏ ومن ذلك اختيار الوزراء والمحافظين ورؤساء المدن والقري حسب البعد التنموي‏.‏ ولتنزل وسائل الاعلام الي المنتجين‏.‏ ولتتجه المؤسسات التعليمية لتطوير المهارات وليس فقط تخريج حملة شهادات‏.‏ وليتحول المنتجون والمبتكرون الي نجوم المجتمع وليس لاعبي الكرة والفنانين‏.‏ ولتهتم البنوك بالتمويل متناهي الصغر‏.‏ أيضا تبكير مواعيد البرامج التليفزيونية الجماهيرية كي نساعد المواطنين علي الاستعداد ليوم عمل جديد‏.‏ ولننظر الي حال المرور من منظور انتاجي كي يذهب العمال الي اماكن الانتاج غير منهكين‏.‏

ولنهتم بالمنتج الصغير في أقاصي النجوع بنفس درجة اهتمامنا بكبار رجال الأعمال‏,‏ لأن انتاج هؤلاء لأية سلعة ولو كانت زيتونا يعني خفض كمية مماثلة من الاستيراد من نفس السلعة‏.‏ ويعني اتاحة فرصة عمل لشخص ويعني أيضا تهدئة لأسعار سلعة شعبية أساسية‏.‏ فقط عندما نهتم بالانتاج يمكن ان تهدأ الأسعار وبدون ذلك علينا توقع المزيد من الغلاء .

عن صحيفة الاهرام المصرية
2/4/2008


========================
في أزمة الرهن العقاري

البورصات العربية تدفع مهر زواجها من الغرب

ممدوح الولي




تداعيات تسونامي الرهن العقاري فاقت التوقعات
إننا لا نستورد غذاءنا فقط من أمريكا وأوروبا، ولكن نستورد أزماتنا أيضا.. فأزمة الائتمان العالمي والتي نجمت عن إقلال البنوك من الإقراض للأنشطة الاقتصادية بعد تعثر المقترضين الأمريكيين عن سداد ما عليهم من قروض المساكن لم تترك آثارها على أمريكا والدول الغربية فقط، ولكنها نالت المصارف والبورصات العربية أيضا في ظل وجود علاقة عضوية بينها وبين القطاع المصرفي الدولي.

وكشفت أرقام صندوق النقد الدولي عن أن الدول المهيمنة على هذا القطاع تواجه مأزقا يتمثل في انخفاض معدلات النمو عام 2007 بسبب تراجع النشاط الاقتصادي كنتيجة لإقلال البنوك من نشاط الإقراض، لتصل إلى 2.2% بأمريكا، و 2.1% باليابان، و2.5% بألمانيا، و1.9% بفرنسا، و1.5% بإيطاليا، و3.8% بإسبانيا، و2.7% بكندا.

وإذا كانت الإجراءات التي اتخذت بهذه الدول، كقيام البنوك المركزية بضخ سيولة وخفض نسبة الفائدة على عملاتها، لم تفلح في السيطرة على معدلات النمو، وتوقعت أرقام الصندوق مزيدا من الانخفاضات بهذه المعدلات خلال العام الحالي لتصل في أمريكا على سبيل المثال إلى نصف في المائة، فإن الأمر يبدو مثيرا للقلق في الدول العربية التي لا تزال ترفض حتى مجرد الاعتراف بتأثرها بالأزمة رغم أن العلاقة العضوية التي أشرنا إليها من قبل، والتي هي أقرب ما تكون لعلاقة الزواج الكاثوليكي، كفيلة بأن تجعل ذلك واقعا لا يقبل الشك.

عاملان بالبورصة
ففي البورصة يوجد عاملان مهدا لهذا الزواج، الأول هو ما يعرف بـ"شهادات الإيداع الدولية" التي تصدرها الشركات العربية وتضعها في البورصات الأجنبية، ولعل الأمثلة الأقرب إلى الذهن في هذا الإطار شركة "جلوبال" الكويتية التي أصدرت شهادات إيداع عالمية بقيمة 1.15 مليار دولار أمريكي تم البدء على تداولها في بورصة لندن في 21 مايو 2008، وكذلك بيت التمويل الخليجي بالبحرين الذي أصدر شهادات بدأ تداولها بنفس البورصة في 4 يوليو 2007.

وفي مصر توجد 12 شركة مصرية لها شهادات إيداع دولية في البورصات الدولية، منها 11 شركة تعد من أبرز شركات التعامل بالبورصة المحلية وذات الوزن النسبي الكبير المؤثر على مؤشر أسعارها.

ومن هنا فإن تراجع أسعار أسهم تلك الشركات في البورصات الدولية ينعكس على أسعارها في البورصات المحلية.

أما العامل الثاني فهو ارتفاع نسبة تعاملات الأجانب بالبورصات العربية، فوفقا لأرقام عام 2006 ارتفعت نسبة تعاملاتهم إلى 21% في البحرين، و25% بسوق دبي المالي، و 14% بالبورصة الأردنية، و 33.3% من قيمة التعامل بالبورصة المصرية خلال الشهور الثمانية الماضية.

والمشكلة هنا أن المتعاملين المحليين يقلدون دائما الأجانب، ومن ثم فإن اتجاههم للبيع مع هبوط أسعار بورصات بلادهم أعقبه اتجاه مستثمرين محليين إلى البيع، مما زاد من عمق الاتجاه الهبوطي للبورصة لينخفض مؤشر أسعارها، ففي مصر على سبيل المثال انخفض المؤشر من حوالي 11 ألف نقطة في أوائل مايو الماضي إلى حوالي سبعة آلاف نقطة عقب إفلاس بنك "ليمان برازر"، أي بانخفاض يدور حول نسبة الثلاثين بالمائة.

المصارف تعضد العلاقة

ولا تقل العلاقة العضوية التي تربط بين القطاع المصرفي الدولي والبورصات العربية قوة عن تلك التي تربطه بالمصارف العربية، التي تعمل على تعضيد العلاقة عبر مجموعة من الروابط منها أرصدة البنوك العربية بالخارج، فقد كشفت إحصائيات مؤسسة النقد العربي السعودي "البنك المركزي" أن حجم الأرصدة السعودية في البنوك الخارجية وصل عام 2006 إلى 829.1 مليار ريال مستفيدة من تدفق الإيرادات النفطية والفائض الكبير الذي سجلته الميزانية والبالغ 265 مليار ريال، وهي أرقام تضاعفت بالطبع عامي 2007 و2008 مع زيادة أسعار النفط.

وفي مصر بلغت أرصدة البنوك بالخارج 123 مليار جنيه في يونيو 2008، إضافة للاستثمارات في الأوراق المالية الأجنبية والتي بلغت أكثر من 15 مليار جنيه.

هذا بخلاف الودائع العربية بالبنوك الأجنبية، والتي قدرتها دراسة نشرتها مجلة "المستثمرون" الكويتية في عددها الأخير بما يتراوح بين 600 و 800 مليار دولار، وأشارت الدراسة إلى أن البنوك السويسرية تحتضن حصة تتجاوز 50% من هذه الإيداعات، وأوضحت أن ما يقرب من 90% من تلك الأموال تتركز في دول الخليج وبصورة أكبر في السعودية والكويت والإمارات، حيث تبلغ حوالي 718 مليار دولار.

ومن الطبيعي أن تتأثر تلك الأموال بما يحدث بالأسواق الأجنبية من تغيرات سلبية، ويزيد نقص الإفصاح المصرفي بالدول العربية من حجم الشعور بتبعات الأزمة.

ما لا يدرك كله

وهكذا لم يعد أحد في ظل العولمة يمكنه أن ينجو من الآثار السلبية التي لحقت بالاقتصاديات الدولية، ولكن المهم هو تطبيق قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك كله"، وذلك بالتقليل من تلك الآثار عن طريق الاهتمام أكثر بالاقتصاد العيني القائم على الإنتاج، وتقوية الأجهزة الرقابية المتعلقة بالمصارف أو البورصة، مع المزيد من تحسين مناخ الاستثمار والإفصاح والشفافية لإظهار حجم الضرر الذي يلحق ببعض المؤسسات المحلية نتيجة الأحداث الدولية قبل أن يتسبب استفحال حجم الضرر في تعثرها أو انهيارها، ولنا أسوة في ستة بنوك مصرية تسبب غياب الدور الرقابي من قبل البنك المركزي في خروجها من السوق.



--------------------------------------------------------------------------------

صحفي اقتصادي، نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية للشئون الاقتصادية،
============
الأزمة المالية وعدوى البورصات.. نصائح للعلاج

ممدوح الولي




الأجانب ساهموا في إنهيارات البورصة
في تحليل مدى تأثر البورصات العربية بالأزمة المالية العالمية يتجه الحديث دائما إلى البورصات العربية التي لديها شهادات إيداع دولي بالبورصات الدولية، مثل مصر وقطر، مما ينقل إليها بشكل مباشر أثر تراجع البورصات الدولية.. ولكن في ظل وجود بورصات عربية أخرى ليس لديها مثل تلك الشهادات يصبح التساؤل لماذا التراجع؟

أصابع الاتهام تتجه دائما في الإجابة عن هذا السؤال إلى الأجانب، حيث أدى خروجهم من بعض البورصات العربية عقب إفلاس بنك ليمان براذر الأمريكي في منتصف سبتمبر الماضي، وما تبعه من انهيار بنوك أخرى، سواء في أمريكا أو في بعض الدول الأوروبية، إلى انتقال العدوى لمستثمرين محليين مما دفع عددا من البورصات العربية إلى التراجع.

وإذا كان صندوق النقد الدولي قد أكد استمرار الأزمة حتى نهاية عام2009 ، وأن هناك حالة من عدم اكتمال ووضوح صورة الخسائر الناجمة عنها برغم رفع تقديراته لها إلى 4.1 تريليون دولار، فإن ضرورة البحث عن وسيلة فعالة لتقليل درجة ارتباطها السلبي باتجاه البورصات الدولية، بات ضرورة لحمايتها من كبوات مستقبلة، خاصة أن الكبوات التي مرت بها خلال عام 2008 وحتى الثاني عشر من أكتوبر قد أدت لانخفاض القيمة السوقية للبورصات العربية بنحو337 مليار دولار عما كانت عليه نهاية عام 2007.

وكانت أعلى الانخفاضات بالسوق السعودية بنقص 211 مليار دولار، يليها بورصة دبي 47 مليار دولار، ثم البورصة المصرية 46 مليار دولار ، فبورصة أبو ظبي 41 مليار دولار، وأخيرا بورصات قطر وسلطنة عمان والبحرين.

تعزيز الثقة
ويأتي تركيز غالبية الخبراء في أطروحاتهم للحلول في تقوية جانب الطلب لمواجهة الذعر والخوف الناجم عن حركة البيع والذي تسبب في تراجع الأسعار، ومن هنا كان إعلان هيئة الاستثمار الكويتية عن اتجاهها لشراء أسهم ببورصة الكويت.

ونفس الأمر فعلته هيئة الاستثمار القطرية لشراء نسبة تتراح ما بين 10-20% من أسهم البنوك المدرجة بسوق الدوحة لتعزيز الثقة بالسوق، ومثل ذلك فعلت بنوك عامة كبيرة في مصر منها البنك الأهلي المصري أكبر البنوك المصرية من حيث قيمة الأصول.

وكانت الحكومة المصرية قد اعتادت التدخل لمساندة السوق خلال فترات توعكه خلال السنوات الماضية، من خلال محافظ ضخمة للأوراق المالية تتبع صناديق المعاشات التي استولت عليها وزارة المالية المصرية، ويشير المتعاملون بالسوق إلى أن تدخل الحكومة من خلال تلك المحافظ قد تكرر مع الأزمة الحالية.

كما يطالب الخبراء الشركات المصدرة للأسهم بشراء جانب من أسهمها لتعزيز الثقة ويطالبون بتسهيل شراء أسهم الخزينة وإطالة مدة احتفاظ الشركة بها إلى عامين بدلا من عام واحد، كما هو الحال في مصر حاليا، إلى جانب خروج قيادات الشركات للجمهور لطمأنته على أحوال تلك الشركات ومشروعاتها المستقبلية.

كذلك الدعوة لتكوين صناديق استثمارية متوسطة الأجل مثلما هو الحال في مصر لتكرار نموذج قامت به بنوك وشركات تأمين حكومية قبل تسع سنوات لمساندة السوق عند انخفاضه وقتها بتأسيس صندوق بقيمة نصف مليار جنيه، أسماه السوق وقتها صندوق الشبح لظهوره فجأة.

إعادة الشراء
وفي إطار ما حدث من قبل الخزانة الأمريكية بالتدخل لشراء أسهم بنوك متضررة فقد دعا البعض الحكومات التي باعت أسهمها في برامج الخصخصة وانخفض سعرها بالبورصة إلى إعادة شرائها مؤقتا لمساندة السوق.

وفيما يخص البضاعة المعروضة للتداول فإن زيادة إصدارات السندات ستسهم في موازنة محافظ المستثمرين، فالبورصة المصرية التي بها380 شركة، ليس بها سوى سبع شركات فقط لها إصدارات سندات بما يجعل مسألة التنويع صعبة.

وفيما يخص إجراءات التداول داخل البورصات فقد اتجهت بورصة أبو ظبي لخفض نسبة التحرك اليومي مؤقتا من 15% إلى 10% لخفض التذبذبات السعرية، كما قامت البورصة المصرية بعدم قيد أوامر من شركات الوساطة تزيد فيها نسبة التغير السعري عن 20 % من سعر الفتح.

لا للبيع على المكشوف
وثارت مطالبات من جانب متداولين مصريين بالإقلال من تعاملات الشراء والبيع في نفس الجلسة، باعتبارها تشجع على المضاربات التي ثبت ضررها للسوق، وارتبطت بذلك مطالبتهم بتأجيل تطبيق نظام البيع على المكشوف، خاصة أن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وتايوان وسنغافورة وباكستان واليونان وأستراليا وإيطاليا والبرتغال وكندا وهولندا ولكسمبورج، قد حظرته مؤقتا على بعض الأسهم بعد أن تأكدت من تسببه في انهيار أسهم المصارف.

وأعلنت هيئة سوق الإماراتية أنها في ضوء مخاطر البيع على المكشوف تتأنى في دراسته وإيجاد الضوابط لممارسته عند السماح به، وطالب وسطاء مصريون بتحرير مؤشر البورصة المصرية من سيطرة أسهم معينة أو الأسهم التي لها شهادات إيداع دولية ليكون المؤشر أكثر تعبيرًا عن السوق وبما يجعله أكثر توازنا في تحركه.

وبالنسبة لجمهور المتعاملين فإن التعامل الفردي ما زال يغلب على تعاملات غالبية البورصات العربية ليقل نصيب المؤسسات المالية من التعامل، وهو ما يجعل الأرضية صالحة لسلوك القطيع في الأزمات، والتسبب في تعميق تراجع الأسواق.

ومن هنا فإن دخول كثير من الأفراد للتعامل المباشر دون خبرة كافية له أضراره، سواء على المتعامل نفسه، أو على السوق بشكل عام، ويجب إرشاد هؤلاء للتعامل بالبورصة من خلال صناديق الاستثمار أو شركات تكوين وإدارة المحافظ المالية.

التنويع مطلوب
كما تظل القاعدة الذهبية بالتنويع مطلوبة دائما بأن ينوع المستثمر بالأسهم ما بين قطاعات النشاط المختلفة، كما ينوع ما بين الأسهم والسندات، كذلك ينوع ما بين استثماراته بالبورصة وغيرها من مجالات التوظيف المختلفة خارجها، بحيث لا تكون كل أمواله بالبورصة، وفي إطار الوعي الاستثماري فإن مزايا الاستثمار متوسط وطويل الأجل يجب أن يتم عرضها بقوة للمتعاملين، حتى لا يستمر نمط المضاربة الحالي المسيطر على تعاملات الأسواق العربية.

كما ترددت بقوة مطالب بفرض ضوابط على حركة الأموال الساخنة التي تسببت سرعة حركتها في التراجع السريع للسوق المصرية والإماراتية، إلى حد مطالبة الخبراء بفرض ضريبة تتناقص نسبتها مع طول فترة بقاء تلك الاستثمارات الأجنبية بالسوق المحلية، إلا أن تلك الدعوة لا تجد قبولا من جانب المسئولين الحكوميين المصريين.

هناك وجهة نظر أخرى ترى أن البورصة هي مرآة للاقتصاد، وأن الاقتصاد العربي مقبل على ظروف مغايرة، مما دفع صندوق النقد الدولي لتوقع تراجع معدل النمو في دول عربية منها الإمارات خلال عام2009 مقارنة بالعام الحالي، خاصة مع توقع تراجع أسعار البترول التي تعتمد عليها دول الخليج بالإضافة إلى السودان وليبيا واليمن والجزائر والعراق، وتوقع تأثر الصادرات العربية إلى الدول الأوربية والأمريكية مع تراجع معدلات النمو بها.

وكذلك تأثر السياحة والتحويلات الواردة من تلك الدول والتي تشكل المورد الرئيسي، سواء للتحويلات أو للسياحة، أيضا صعوبات الاقتراض الدولي وتوقع زيادة قيمة العجز بموازنات الدول التي تعاني من عجز مزمن في موازناتها؛ ونتيجة لذلك يرى هؤلاء أن إصلاح أحوال البورصات مرتبط بتحسن الاقتصاد العربي، وهو أمر أصبح محل شك في الأجل القصير.




--------------------------------------------------------------------------------

ليست هناك تعليقات: